وضع الشاطبي نظرية المقاصد في سياق المأزق الذي وصل إليه منهج التفكير الشرعي الإسلامي في السياق الاجتماعي والاقتصادي للأندلس في القرن الرابع عشر. و قد استندت نظرية الشاطبي إلى تحليل نقدي للجدل بين الصوفيين وعلماء الدين والفقهاء حول حدود المصادر والمبادئ وأساليب التفكير في التقليد الشرعي الإسلامي. و تقوم هذه النظرية على فكرة رئيسية مفادها أن المصلحة أو الرفاهية الإنسانية تشكل الهدف التأسيسي للشريعة. و يكمن هذا الهدف في النية التي عبر عنها الله في تواصله مع البشرية، وفي الالتزام بالامتثال لشريعته وبطاعته. و قد أوصلت الدراسة الاستقرائية لمصادر الشريعة الشاطبي إلى استنتاج مفاده أن مقاصد الشريعة تتمثل في حماية المجالات الخمسة التالية لرفاهية الإنسان: الدين، والحياة، والعقل، و النسب، ثم الملكية. و قد وضح الشاطبي نظام الحماية هذا باستخدام فكرة الدوائر متحدة المركز لاحتياجات ولمتطلبات قانونية وثقافية قائمة على جملة من الاعتبارات القانونية الإضافية و التكميلية. و قد أثارت نظرية الشاطبي معارضة بين الفقهاء المعاصرين له، لكن ليس بين أبرز أتباعه الذين ساروا على خطاه في كتاباتهم. ومع ذلك، لم تبدأ نظرية الشاطبي في جذب انتباه الإصلاحيين والحداثيين المسلمين إلا في أوائل القرن العشرين أي بعد مرور عدة قرون. و تشق هذه النظرية طريقًا إلى الأمام لتطوير فقه إسلامي حقيقي مثل المالية، والاقتصاد، والمصارف، وإدارة الأعمال، و أخلاقيات علم الأحياءا والبيئة، و الذين لم يعبروا مجالا يقع في اختصاص الشريعة الإسلامية. كما ساعدت الدراسات النقدية من قبل التقليديين والإسلاميين المعتدلين في الإبقاء على هذه النظرية حية. و من بين هؤلاء نذكر محمد خالد مسعود، الذي فضلا عن تقديمه لنا لأهم جوانب نظرية الشاطبي، فهو يركز على المقاربة النقدية لنفس النظرية من قبل طاهر بن عاشور.
مقاصد الشريعة، مصلحة، مصلحة عامة، الشاطبي، غرناطة، الأندلس، طاهر بن عاشور.